بعد الإعلان عن يوم التحرير مساء اليوم - مستقبل ليبيا على المحك

ينتظر أن يعلن المجلس الانتقالي اليوم انتهاء الحرب في ليبيا بعد تسعة أشهر من اندلاعها وانتهائها بمقتل العقيد القذافي وتفكك عائلته وكل نظامه بعد 42 سنة من حكم أحادي مطلق. وبمجرد إعلان السلطات الليبية الجديدة رسميا عن ''تحرير ليبيا'' يكون الحلف الأطلسي قد أنهى هو الآخر مهمة قال إنها إنسانية وتهدف إلى حماية المدنيين الليبيين ولن تدوم لأكثر من ثلاثة أشهر بمنطوق اللائحة الأممية 1973 ولكنه انحرف عن هذه اللائحة وأقحم نفسه في حرب أهلية مدمرة أتت على الأخضر واليابس وأعادت ليبيا عدة عقود إلى الوراء.

وبمجرد أن يعلن السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي انتهاء الحرب فإن سؤالا استراتيجيا يفرض نفسه في وضع كهذا وهو: أي مستقبل ينتظر ليبيا بعد تسعة أشهر من المواجهات والاقتتال الدامي؟

وهو سؤال يدفع إلى تناول هذا المستقبل من زاويتين أساسيتين أولاهما ستكون سياسية وتخص تشكيل الحكومة الليبية الانتقالية بينما تخص الثانية إعادة بناء ما دمرته حرب الإخوة-الأعداء منذ منتصف فيفري الماضي.

ويبدو أن خلافات حادة طرأت على مواقف الفاعلين في داخل السلطة الجديدة الأمر الذي حتم عليها تأجيل الإعلان عن يوم التحرير بعد أن كان مقررا لنهار الخميس وبما يؤشر أيضا على أن المجلس الانتقالي سيجد نفسه في دوامة صراعات سوف لن تلبث أن تطفو على سطح العلاقة بين الأطراف المشكلة للمجلس الانتقالي.

هذه الحقيقة تأكدت منذ عدة أسابيع عندما فشل المجلس الانتقالي في التوصل إلى تفاهمات حول تركيبة الحكومة الانتقالية وأرغم على تأجيلها في العديد من المرات لتفادي وقوع انفجار داخل المجلس الذي وجد نفسه ضحية تعدد الأطياف والتيارات السياسية المشكلة له.

ولم يخف الرقم الثاني ورئيس المكتب التنفيذي السيد محمود جبريل هذه الصعوبات إلى درجة هدد فيها بالاستقالة وفي وقت لم يمنع أعضاء من التيار الإسلامي النافذين في اللعبة السياسية الليبية الجديدة من المطالبة برحيله ورفضهم بقاءه على رأس المكتب التنفيذي بقناعة انه ليبرالي ولائكي لا يمكن التعايش مع أفكاره.

ويكون محمود جبريل الذي ينظر إليه في ليبيا على انه الأوفر حظا لقيادتها بالنظر الى الدعم الذي يلقاه من طرف واشنطن وباريس، قد فهم الرسالة وأكد انه سيغادر مهامه بمجرد انتهاء المرحلة الانتقالية بعد ثمانية أشهر من الآن.

وهي القناعة التي انتهى إليها بعد أن أكد في العديد من المرات أن من يملك السلاح ستكون له الكلمة النهائية في حكم ليبيا والتمليح واضح باتجاه الجماعة الليبية المقاتلة التي كان يقودها عبد الحكيم بلحاج القائد الميداني الذي أشيع انه مهندس تحرير العاصمة طرابلس وسقوط قصر باب العزيزية.

كما انه لم يكن بريئا تسريب أخبار متواترة في الأيام الأخيرة عن استقالة رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل الذي شغل منصب وزير العدل في آخر حكومات العقيد الليبي المقضى عليه بعد أن استحال عليه إتمام مهمته.

وحتى وان تم نفي هذه الأخبار بدليل وجود عبد الجليل إلى حد الآن على رأس المجلس الانتقالي فإنه يعكس حقيقة الصراع الداخلي بين توجهات سياسية يستحيل تجميعها في بوتقة واحدة لولا الهدف المشترك بالقضاء على العقيد معمر القذافي ونظامه.

ويكون طبيعيا اليوم أن يكشف كل طيف عن قراره بما يخدم مصالحه في خارطة سياسية ليبية لم تتضح معالمها ولا الجهة التي ستكون نواة السلطة الجديدة في طرابلس بعد الإطاحة بنظام القذافي مما يجعل من المنطقي أن يشتد الصراع وتكثر التحالفات تحسبا لأية ترتيبات سياسية قادمة.

وبقدر ما سيكون رهان إعادة ترتيب البيت الليبي سياسيا فإن إعادة هذا البلد إلى سكة الانطلاقة الاقتصادية سوف لن تكون سهلة إذا سلمنا أن عمليات القصف التي أقدمت عليها المقنبلات الأطلسية أتت على قرابة 80 في المئة من البنية التحتية بينما أتت حرب الفرقاء الليبيين فيما بينهم على ما تبقى من هذه البنية.

وهي درجة دمار تجعل تصريح محمود جبريل أمام المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي بالأردن وإقراره أن ''إعادة بناء ليبيا ستكون مهمة مستحيلة'' غير مفاجئ إذا وقفنا على حجم الدمار الذي تعرض له هذا البلد طيلة تسعة أشهر من المواجهات.

وهي مهمة لن يكتب لها النجاح أيضا إذا لم تتمكن السلطات الجديدة من استرجاع آلاف قطع الأسلحة ومن مختلف الأحجام والأخطار والتي حولت ليبيا إلى أشبه بثكنة عسكرية سلاحها خارج مخازنها. تضاف إليها مهمة تضميد جراح الأيتام والثكالى والأرامل جراء هذه الحرب المدمرة.

وضع خانق يجعل من إمكانية تنظيم انتخابات عامة بعد ثمانية أشهر من الآن أشبه بالمستحيلة إذا سلمنا بحجم المشاكل وتراكمها من سياسية واجتماعية واقتصادية وحتى الأمنية وإقامة سلم اجتماعي ومصالحة حقيقية بعد كل ما حدث ويجعل من مهمة تشكيل حكومة وصياغة دستور في ظرف قياسي ضربا من الخيال.