مذكرة حول تقرير"اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب "

مذكرة حول تقرير"اللجنة الإفريقية
لحقوق الإنسان والشعوب "

مقدمة
  1. أعدت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الإفريقي، في دجنبر 2012، وثيقة بعنوان "تقرير بعثة إنشاء الحقائق في" الجمهورية العربية الصحراوية"، وذلك عقب الزيارة التي قام بها أعضاء من هذه اللجنة إلى تندوف والجزائر العاصمة من 24 إلى 28 شنبر 2012.
  1. وينبني هذا التقرير على قراءة سياسية حول حقوق الإنسان في الصحراء. و يحتوى على مضمون متحيز يظهر جليا لا من حيث المقاربة المتبعة، أو الهدف المتوخى أو المحتوى والخلاصات التي خرج بها.

  1. يكشف التقرير عن رغبة بعض الأطراف توظيف ملف الصحراء لأغراض سياسية، والزج بأجهزة الاتحاد الإفريقي لدعم أطروحات متقادمة، بعيدة عن الحقيقة، و متجاهلة لتطورات الملف خلال السنوات الأخيرة.

  1. ارتكاز التقرير على فرضيات خاطئة:
4. ليس المغرب موقعا و لا طرفا في "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب". ولم يتلق أية مراسلة رسمية أو طلب مباشر بخصوص مهمة هذه البعثة.

5. يشير عنوان التقرير إلى أن مهمة البعثة تتجلى في "تقصي الحقائق داخل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". والأمر يتعلق بكيان لا يوجد لديه العناصر الرئيسية لتشكيل دولة حسب مقتضيات القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. فما يشارف ¾ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وثلث الدول الإفريقية، فضلا عن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن للأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي لا يعترفون بهذا الكيان. وبالإضافة إلى ذلك، تشير العديد من الآراء القانونية لمنظمات دولية (الاتحاد الأوروبي) وحكومات (السويد مؤخرا) بعدم استيفاء هذا الكيان لمعايير الدولة المستقلة و عدم احترامه لمعايير الاعتراف به كدولة مستقلة.

II- اعتماد التقرير لمقاربة غير موضوعية وذات دوافع سياسية:
  1. تبتعد مقاربة التقرير عن القواعد اّلأساسية للحياد والموضوعية التي يجب أن تِؤطر مهمة كل آلية لحقوق الإنسان ذات مصداقية؛
  2. في حقيقة الأمر، إن المصادر التي تم الرجوع إليها مشكوك فيها، فالشهادات التي تم جمعها تعد مشكوك فيها، كما أن الإنخراط العلني لبعض أعضاء اللجنة كشهود أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة لصالح أطروحات الأطراف الأخرى ( البوليساريو والجزائر) ، يعزز الشكوك حول مصداقية هذه البعثة و نزاهة تقريرها.
  3. إن مقاربة اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ، تعد متحيزة سياسيا وتنطلق من رغبة جلية لدعم خلاصات وتوصيات تخدم أطروحات الأطراف الأخرى وتهدف إلى تعزيز أهدافها السياسية.

.III احتواء التقرير على نواقص ومغالطات :
9. ينم هذا التقرير عن قراءة ضيقة لمبدأ تقرير المصير، ويخفي عن قصد الأوجه الأساسية و التطورات الأخيرة التي يعرفها نزاع الصحراء:

أ-الوقائع التاريخية: يغفل التقرير الجوانب الأساسية للنزاع الإقليمي:
    • قضية الصحراء، ليست قضية استعمار، كما يقدمها تقرير اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. لم تتم الإشارة في التقرير إلى جذور النزاع وتطوراته، خاصة فيما يتعلق بالأسس التاريخية والقانونية للمطالب المغربية، وكذلك الاستكمال التدريجي للوحدة الترابية للمملكة الخ... ؛
    • تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره سنة 2000 على عدم قابلية تطبيق مخطط التسوية سنة 1991 (تقرير S/2000/131 بتاريخ 23 فبراير 2000) ؛
    • الجهود التي بذلها الأمين العام للأمم المتحدة و مبعوثه الشخصي بغية التوصل إلى حل سياسي تقبله جميع الأطراف وذلك بالرجوع إلى الاتفاق الإطار لسنة 2001 والذي تم رفضه من قبل البوليساريو وخطة السلام المقترحة من قبل المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة السيد جيمس بيكر سنة 2003 ؛
    • دعوة قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة، منذ 2004، جميع الأطراف للتوصل إلى "حل سياسي متفاوض عليه"؛
    • دينامية المفاوضات التي انطلقت ابتداء من 2007 بناء على المبادرة المغربية للحكم الذاتي والتي حضيت بدعم واسع من قبل المجتمع الدولي ، و وصفت" بالجدية وذات المصداقية" من قبل مجلس الأمن؛
    • دعوة قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة، منذ 2007، جميع الأطراف إلى التحلي "بالواقعية وروح التوافق" ؛

  1. الإحصائيات: يتضمن التقرير إحصائيات مغلوطة ومتعارضة مع تلك المعتمدة من قبل الأمم المتحدة:

  • ينص التقرير على أن هناك " 165 ألف لاجئ صحراوي يعيشون داخل المخيمات بالجزائر" في حين حدد كل من المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي، منذ سنة 2005، هذا العدد في 90 ألف، في غياب إحصاء رسمي كما يدعو إلى ذلك مجلس الأمن؛
  • يزعم التقرير أن "4500 صحراوي هم ضحايا الاختفاء القسري وأن 500 منهم يعتبرون في عداد المفقودين"، في حين أن هذه الادعاءات لم يتم اعتمادها لا من قبل الأمم المتحدة ولا من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. بل أكثر من ذلك، حددت مجموعة العمل الأممية حول موضوع الاختفاء القسري واللاإرادي، في تقريرها لسنة 2012 بعد زيارتها للمغرب سنة 2009، عدد حالات الاختفاء بالمغرب بما فيها منطقة الصحراء، في 61 حالة ؛
  • بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير على وجود "5 ملايين ألغام مضادة للأشخاص"، في حين أنه لم يشر الى هذا العدد لا في تقرير الأمين العام، ولامن قبل وحدة إزالة الألغام الأممية أو من قبل المنظمة الغير حكومية « Land Mine Monitor ». وتجدر الإشارة، إلى أن المغرب يواصل تعاونه الناجح والمسئول مع الأمم المتحدة في إطار برنامجها لإزالة الألغام.

ج- مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء:

  • يتحدث التقرير عن مزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء، أدلى بها مجموعة من الأشخاص القاطنين بمخيمات تندوف، دونما التأكد من صحتها من خلال مصادر موثوقة وذات مصداقية، خاصة لدى المنظمات الدولية والآليات الأممية لحقوق الإنسان؛
  • يعدد التقرير عددا من الادعاءات حول انتهاكات حقوق الإنسان دون الإتيان بحجج وبراهين. وبالتالي فان ذلك ينم عن مغالطات، بما أن الحريات العامة والأساسية في الأقاليم الجنوبية يكفلها الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، الذي يعتبره المجتمع الدولي بمثابة ميثاق حقيقي لحقوق الإنسان؛
  • لم يشر التقرير إلى تعاون المغرب الكامل مع الآليات الأممية والدولية لحقوق الإنسان، خاصة زيارات الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان إلى الصحراء، والتي من أهمها زيارة المقرر الخاص حول التعذيب (2012) والخبيرة المستقلة للحقوق الثقافية (2011)، وعلى عكس ذلك، لم يتم السماح لأي آلية أممية بزيارة تندوف ؛
  • تم السماح لهيئات ووفود دولية مهتمة بمجال حقوق الإنسان وفريق العمل حول مكافحة التمييز ضد المرأة سنة 2012 بزيارة منطقة الصحراء، وهكذا قام 22 وفدا أجنبيا بزيارة هذه المنطقة سنة 2012، خاصة منظمات المجتمع المدني الدولي، صحفيون، دبلوماسيون من بينهم سفراء أفارقة وكذلك برلمانيون أجانب؛
  • يدعي التقرير بأن الموارد الطبيعية في الصحراء يتم استغلالها بشكل غير شرعي. إن هذا الادعاء لا يمت للحقيقة بصلة، حيث أن الساكنة المحلية تستفيد بشكل كامل من هذه الثروات، وفق مقتضيات الرأي الاستشاري للمستشار القانوني للأمم المتحدة سنة 2012؛
  • يزعم التقرير أن المغرب يعرقل تنظيم الاستفتاء وأن مسلسل تحديد الهوية قد تم انجازه. إن هذه المزاعم غير صحيحة للأسباب التالية:
* كان المغرب سباقا للدعوة إلى تنظيم استفتاء لحل النزاع حول الصحراء، سنة 1982. كما أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي قدمها سنة 2007 ، تنص في مادتها ال 27 على : "حرية استشارة الساكنة المعنية عبر الاستفتاء"؛
* إن عدم تنظيم الاستفتاء يعود بالأساس إلى الصعوبات التي شهدها مسلسل تحديد الهوية ، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، سنة 2000، للإعلان عن عدم قابلية مخطط التسوية.

د- الوضعية المزرية لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف:
  • يتجلى انحياز التقرير بشكل واضح فيما يخص وضعية حقوق الإنسان في مخيمات تندوف. حيث تغافل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وذلك بشهادة عدد من تقارير منظمات المجتمع المدني و مؤسسات الفكر والرأي الدولية ( كهيومن رايتس ووتش، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية واللجنة الأمريكية للاجئين والمهاجرين...)؛
  • يزعم التقرير "بحثه لعواقب وانعكاسات احتلال الصحراء من قبل المغرب على حقوق الشعب الصحراوي في مخيمات اللاجئين". بيد أن الوضعية الحالية في مخيمات تندوف، هي نتيجة للحصار المضروب على ساكنة هذه المخيمات وتجاهل حقوقها الأساسية؛
  • تناسى التقرير الإشارة إلى الحصار الأمني الذي طبق منذ 1976 على ساكنة المخيمات ، ما أدى إلى منع حرية التنقل خاصة حرية ممارسة حقهم المكفول والحر في العودة، كما ينص على ذلك القانون الدولي الإنساني. رغم هذا الحصار، استطاع أزيد من 10 آلاف شخص الفرار من مخيمات تندوف والعودة إلى أرض الوطن؛
  • يخفي التقرير كذلك غياب حرية التعبير في مخيمات تندوف، كما يشهد على ذلك المعارضين المضطهدين سياسيا، ونخص بالذكر الفنانة نجم ماء العينين، التي دعت إلى ربيع عربي في تندوف، ومصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الذي تم توقيفه وتعذيبه ومنعه من لقاء عائلته بتندوف لمجرد تعبيره عن رأي مخالف يساند المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
  • يمتنع التقرير عن الإشارة لمساومات البوليساريو والضغوطات التي يمارسها على المستفيدين من برامج الزيارات العائلية في إطار إجراءات الثقة، الذي تشرف عليه المفوضية السامية للاجئين، وذلك باحتجاز أعضاء من عائلاتهم، لضمان عودتهم إلى المخيمات.

IV. إغفال التقرير لانجازات المغرب في مجال حقوق الإنسان:
10. تشارك ساكنة جهة الصحراء بشكل كامل في الحياة العامة والسياسية بالإضافة إلى مساهمتها في التنمية الاقتصادية والثقافية في المنطقة، عبر ممثليها في البرلمان و المؤسسات الجهوية والمحلية المنتخبة. كما تشهد هذه المنطقة نشاطا هاما لهيآت المجتمع المدني ؛

11. استفادت منطقة الصحراء من إصلاحات مهيكلة وجريئة لتعزيز دولة القانون، والديمقراطية وتوسيع مجال الحقوق الفردية والجماعية. وتعززت هذه الجهود الوطنية بالالتزامات الدولية للمغرب بموجب مجموعة من الآليات القانونية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان؛

12. منح المجلس الوطني لحقوق الإنسان اختصاصات واسعة للتحقيق في كل ادعاءات خرق حقوق الإنسان، من خلال تأسيس لجنتين جهويتين في كل من العيون والداخلة ، وهو ما تم التنويه به من خلال القرارين 1979 و2044 لمجلس الأمن؛

13. بذلت المملكة المغربية ، جهودا جد هامة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الصحراء، ولاستعمال أمثل لموارد المنطقة لفائدة ساكنتها. فخلال الفترة ما بين 2004 و2010، خصص المغرب مقدار مليار دولار أمريكي لاستثمارات اقتصادية واجتماعية في هذه المنطقة، إضافة إلى أزيد من 50 مليون دولار للتنمية البشرية. مما أدى إلى تقليص مؤشر الفقر من 30% إلى 6% حاليا؛

14. ورغبة منه في إرساء دينامية للتنمية البشرية في الصحراء، أنجز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دجنبر 2012، ورقة تأطيرية حول نموذج التنمية الجهوية بهذه المنطقة، الهدف منها:

* تنزيل المبادئ الدستورية التي تعنى باحترام وتعزيز حقوق الإنسان الأساسية وذلك عن طريق ضمان حقوق الإنسان، في مفهومها الواسع، كمبدأ أساسي للحكامة الاقتصادية والاجتماعية؛
* وضع وتطبيق نموذج مندمج وشامل للتنمية بمنطقة الصحراء يجعل المواطن في قلب السياسات العمومية؛
*تعزيز جهود الدولة وتدبيرها المحلي الديمقراطي لخلق اقتصاد حيوي ومنتج؛
* التأسيس لحكامة تحترم بشكل كامل الحقوق الأساسية للساكنة وتضمن حرياتها الفردية.

V- خلاصات التقرير متجاوزة وتوصياته غير مثمرة:

15. باعتبار ما سبق، يتبين أن خلاصات التقرير لا تتماشى مع الدينامية الحالية، ولا تقدم أي قيمة ملموسة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في الصحراء؛
16. إن توصيات هذا التقرير يمكن اعتبارها غير مثمرة لأنها تعتمد على تحليل يجانب الحقيقة، وعلى رؤية ترتهن بالماضي، تفتقد لأية قيمة مضافة وتتعارض مع كل الآليات الأممية لحقوق الإنسان؛


17. وعلى ضوء ما سبق، فالمغرب يدعو الدول الإفريقية الصديقة للتحرك للحيلولة دون تفعيل توصيات هذا التقرير وخلاصاته، وتغليب منطق الحكمة والتعقل ، حتى يتسنى الحفاظ على رصيد المصداقية في القارة الأفريقية وفعالية مؤسساتها