الصحراء الغربية: موضوعية وحتمية الاستفتاء.. أ.د. إسماعيل دبش، أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر 3

ثلاث أحداث هامة هذا الشهر (ديسمبر 2011 )تعزز قضية الصحراء الغربية. الأول، تجميد الاتحادالأوربي (14 ديسمبر 2011) لاتفاقية الصيد معالمغرب بحكم تناقضها مع القانون الدولي من خلالانتهاك الموارد الطبيعية الساحلية للشعبالصحراوي. الثاني، قرار الكونغرس الأمريكي (20ديسمبر 2011) برفض المساعدات الأمريكية إلىالمغرب دون تقديم تقرير من طرف كتابة الدولةللشؤون الخارجية حول انتهاك حقوق الإنسانبالأراضي المحتلة للصحراء الغربية والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة المغربية في مجال احترام حقوق الأشخاصفي التعبير السلمي عن أرائهم، بخصوص مستقبل الصحراء الغربية...، مشترطا، توفير حق دخول منظمات حقوقالإنسان وممثلي الحكومات الأجنبية إلى الصحراء الغربية ومن غير أية مضايقات. الحدث الثالث في هذا الشهر(15-20 ديسمبر 2011) هو انعقاد المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليزاريو بتفريتي بالأراضي المحررة الذي تمالتأكيد فيه على وحدة الشعب الصحراوي أينما كان وبعزيمة واستعداد لاستخدام كل الوسائل من أجل تجسيدحقه في تقرير مصيره وفق الشرعية الدولية.

لا يكفي المجال هنا في هذه المساحة المحدودة ذكر كل الحقائق والعوامل الموضوعية التي تؤكد الحتمية النهائيةلتطبيق مبدأ حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، يمكن هنا ذكر البعض منها:

1. على مستوى الشرعية الدولية، الصحراء الغربية هي أصلا مستعمرة إسبانية (منذ مؤتمر برلين: 1884-1885 الذي تم فيه تقسيم ما تبقى من إفريقيا بين الدول الاستعمارية)، وهي مبرمجة في اللجنة الرابعة لمنظمةالأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار منذ 1960 (قرار 1514) على غرار المستعمرات السابقة في العالم التينالت استقلالها وفق ذلك.

2. هوية ووطنية متجذرة لشعب الصحراء الغربية، مهما كانت قوة الخصم وحجم الممارسات القمعيةواللاإنسانية ضد صاحب الحق، فإن هذا الأخير هو الأقوى معنوياً والأكثر عزيمة لاسترجاع حقه المغتصب،يصدق ذلك على شعب الصحراء الغربية، بالأصالة والمرجعية التاريخية العريقة للساقية الحمراء ووادي الذهبالمتجذرة في المنطقة، وبهوية شعبها المتميز بالإنسان الحر المستقل في حياته رافضاً الخضوع رغم الحياة البسيطة التييعيشها. شعب مشحون بقوة وإرادة فولاذية طبيعية، متماسك في هويته ووطنيته وفي تفاعلاته الداخلية وعصريفي تسيير شؤونه الإدارية وفي ترسيخ هيكلة دولة عصرية بممارسات متحضرة وديمقراطية. يأتي في مقدمة ذلكتقديم الكفاءات وإعطاء دور أكبر للمرأة في التسيير والتواجد في مؤسسات الحكومة والدولة. الزائر للمخيماتوالأراضي المحررة والأراضي المحتلة يعيش ذلك ميدانياً.

3. جبهة البوليزاريو قوة اقتراح، لأنها تعكس شجاعة وممارسة سياسية مسؤولة عندما توافق على طرح كلالخيارات والبدائل (الانضمام إلى المغرب أو الحكم الذاتي أو الاستقلال) للاستفتاء، وأن اختيار الشعب سوفيحترم، موقف يضعف المغرب ويقوي جبهة البوليزاريو معززة مبدأ إنسانيا عالميا شاملا يشكل لغة العصر والعملالسياسي الراهن وهو الديمقراطية وحرية الرأي وحق الاختيار.

4. مشاريع الحكم الذاتي هي أصلاً مشاريع وممارسات استعمارية مارستها الدول الاستعمارية سابقاً والتي آلت فيالنهاية لاستقلال الشعوب والمستعمرات، وفي هذا الإطار يصنف مشروع الحكم الذاتي المغربي الذي هو فيالحقيقة إقرار بأن هناك شعبا وأرضا، وأن المغرب يعترف بانفصال الصحراء الغربية عن سيادته، والسيادة لاتجزأ.

5. ودائماً في إطار السيادة لا تجزأ، موافقة المغرب على تقسيم الصحراء الغربية مع موريطانيا في اتفاقية مدريد(1975) هو اعتراف بأن هذه الأرض ليست كلها تابعة لسيادته، وكأن الأمر هو اقتسام غنيمة، موريطانيافرضت عليها جبهة البوليزاريو الانسحاب (1978) من الجزء الذي احتلته سنة 1975.

6. نفس التساؤل حول موضوع السيادة يطرح على المغرب عند بنائه للجدار العازل بطول 2400 كلم والذييقسم الصحراء الغربية إلى قسمين، الأراضي المحتلة والأراضي المحررة. فهذا إقرار مرة أخرى أن المغرب يعترفبأن الصحراء الغربية ليست مغربية انطلاقاً من المبدأ أن السيادة لا تجزأ.

7. دخل المغرب في حرب مع جبهة البوليزاريو لمدة أكثر من 15 سنة (1975-1991) وتم توقيف إطلاقالنار بناءً على التزام المغرب بمبدأ استفتاء الشعب الصحراوي، ومنذ ذلك الوقت والمغرب يتفاوض وفق وضمنهذا المبدأ مع جبهة البوليزاريو كممثل وحيد للشعب الصحراوي تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة.

8. بالمغرب داخلياً، ليس في صالح النظام المغربي أن يستمر في تأجيل الحل النهائي وهو الاستفتاء حول تقريرمصير شعب الصحراء الغربية، لأنه رغم التعتيم الإعلامي فإنه بدأت تبرز آراء ومواقف مغربية علنية، ليس فقطلدى بعض المنظمات وقوى حقوق الإنسان المغربية بل بدأت تبرز حتى تيارات سياسية تنسجم ومبدأ الاستفتاءوحق تقرير المصير، مثل حزب النهج الديمقراطي الذي له مواقف رسمية وبرنامج ونشاط وفق هذا الطرح.

9. بناء المغرب العربي واحترام اختيارات شعوبهم وخصوصيتهم شرط أساسي لتجسيد أي مشروع وحدوي أوتكتل إقليمي. تجسيد مبدأ اختيار شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره هو مسار يدعم هذا النهج والطرح.الاتحادات والتكتلات الدولية القائمة في العالم تجسدت على أساس استفتاء شعوبها وليس على أساس التوسعوفرض أمر الواقع. أكبر اتحاد إقليمي في العالم وهو الاتحاد الأوربي تجسد ضمن ووفق هذه المقاربة الواقعية. بناءالمغرب العربي يعزز العلاقات الثنائية والإقليمية في المنطقة ويقوي جسور التواصل بين شعوب المغرب العربي.احترام إرادة اختيار شعب الصحراء الغربية هو محطة كبرى ومحور أساسي لبناء وتفعيل مغرب عربي جاد وفعال،وبذلك تفعّل العلاقات الإقليمية على الأسس والعوامل المشتركة بين شعوبها وتثمن الإرادات السياسية ويؤسسلتكتل واقعي وبراغماتي يساير التحولات الدولية الجديدة ومخرجات العولمة الراهنة.
الجزائر