تونس تميع القضية الصحراوية وتلتف حول حق تقرير المصير

الكاتب: فيصل . ح 

أثناء جولته المغاربية الأخيرة حمل الرئيس التونسي، محمد منصف المرزوقي، ما يشبه رؤية جديدة لملف الصحراء الغربية بعد 36 سنة من كفاح الشعب الصحراوي لاسترجاع سيادته التي انتهكت من طرف المملكة المغربية، 20 سنة منها كانت بالطرق السلمية عن طريق مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة، أول ما يلاحظ على هذه الرؤية أنها تتفادى الفصل في الموقف التونسي إزاء حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عن طريق استفتاء حر ونزيه. فقد حاول نهي الجزائريين والمغاربة عن الخوض في المسألة في الوقت الحاضر إلى غاية استكمال إعادة بناء الاتحاد المغاربي في مرحلته الأولى وما هو ما يعني أن الملف عليه الانتظار خمس سنوات على الأقل إلى غاية ظهور أولى نتائج إطلاق الحريات الخمس كما يسميها الرئيس التونسي.

 وثاني ما يلاحظ على طرح المرزوقي أنه لم يشر البتة إلى الاحتلال المغربي للأراضي الصحراوية ومن ثم ضرورة إتاحة الفرصة للصحراويين للإدلاء برأيهم حول مصيرهم. ولم يبين المرزوقي كيف سيتحرك الصحراويون في هذا الإطار المغاربي الذي يبشر به وبأية هوية وطنية يمكنهم أن يمارسوا الحريات المرزوقية الخمس بما أن المرزوقي لا يدعو إلى إلغاء السيادات الوطنية للبلدان المغاربية وهو الذي بنى الاتحاد المغاربي على الخمسيات (خمس بلدان، خمس سنوات وخمس حريات) وليس على ست أم أن الصحراويين عليهم أن يبقوا في الثلاجة حتى يتم البناء المغاربي المنشود.

 وثالث هذه الملاحظات أن المرزوقي لم يخرج القضية الصحراوية من "الطابع الإنساني" في إشارة غريبة إلى المعاناة التي يعيشها الصحراويون المشتتون بسبب اختلاف الرؤى بين الجزائر والمغرب بخصوص الحل. والمتتبع للتصريحات المتتالية للرئيس التونسي، الذي تربع على عرش تونس، بعد ثورة الياسمين التي انتفضت ضد العبودية من اجل استرجاع الحرية وغرس الديمقراطية داخل المؤسسات الرسمية، واسترجاع الكرامة وعزة الإنسان التونسي، يسجل أن المرزوقي المتحمس لإعادة التأسيسي لمغرب عربي جديد بعد جمود طال أمده، في ظل الصراعات واختلاف الرؤى بين أعضائه، ومنها ملف الصحراء الغربية، يعمل على إعادة بناء اتحاد المغربي العربي على حساب تقرير مصير الشعب الصحراوي، الذي يدافع منذ 36 سنة من أجل استرجاع سيادته على أراضيه وبناء دولته، ولا يختلف اثنان على أن ثورة الياسمين في تونس التي اندلعت في 14 جانفي من العام الماضي، لا تختلف من حيث المبدأ عن نضال الصحراويين من أجل الاستقلال واسترجاع سيادتهم، وكان الرئيس التونسي قد أكد خلال زيارته إلى نواكشوط أنّ مشكلة الصحراء الغربية تعد العائق الأول أمام قيام اتحاد مغرب عربي قوي يضمن مصالح كل الأطراف ويحافظ على خصوصيات كل بلد ويكرس الحريات الخمس للمواطن المغاربي وهي الحق في التنقل والاستقرار والتملك والعمل والاستثمار وكذلك المشاركة في الانتخابات البلدية. والغريب في الأمر أن المرزوقي، الذي ولي على شؤون تونس الجديدة، يحمل آمالا لإعادة بناء الصرح المغاربي، ليس بالمرور على حق الشعب الصحراوي في بناء دولته والحصول على الاستقلال، وفق لوائح الأمم المتحدة ذات الصلة بالملف، وإنما بتجاوز هذا الحق الذي يعتبر إحدى ركائز حقوق الإنسان في العالم، ويتضح ذلك جليا من خلال دعوة المرزوقي إلى نسيان القضية الصحراوية أو (تحنيطها) لمدة خمس سنوات القادمة، إلى حين أن يشتد أزر الاتحاد المغاربي وتحقيق الرفاهية لشعوبه في الدول الخمسة وهي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، في حين يبقى الشعب الصحراوي يترقب مصيره إلى غاية 2017، وفق الرؤية التي يقدمها الرئيس التونسي، محمد منصف المرزوقي. وكان رئيس الجمهورية الصحراوية والأمين العام لجبهة البوليزاريو، محمد عبد العزيز قد لفت انتباه الرئيس التونسي في رسالة وجهها له، مفادها أن "بناء المغرب العربي على أساس متين هو السبيل الوحيد لضمان ظروف البقاء لشعوب المنطقة على قيد الحياة ، اتحاد يستند إلى احترام الشرعية والقانون الدولي وقيم الديمقراطية والعدالة التي حققتها الثورة التونسية ويستمر الشعب الصحراوي في المحاربة من أجل تحقيقها .

 ويتوقع أن تؤول مساعي المرزوقي إلى الفشل في حالة ما إذا تم استثناء ملف الصحراء الغربية من المفاوضات الجارية بين الأقطاب المشكلة للاتحاد المغاربي، لأن الحل إلى امتثال المغرب للشرعية الدولية والتعاون مع بعثة المينورسو إلى الصحراء لتنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي، وفق ما تقتضيه مختلف اللوائح الأممية، والأكيد أن قضية اتحاد المغرب العربي الذي جمد كمشروع منذ 17 سنة، هي قضية متشابكة وحلها أكبر من الرئيس التونسي. إن لم يبادر المغرب بخطوات عملية تكفل الحق في الحياة للشعب الصحراوي المضطهد داخل أراضيه المحتلة، وفي الشتات وباقي دول العالم، وفي مخيمات اللاجئين الصحراويين. 

Eldjazaironline, 15/2/2012