لقد اعتمدت الدبلوماسية المغربية بالقارة الإفريقية مقاربة متميزة و نهجا نوعيا في إطار علاقات جنوب- جنوب ، يرقى بالتعاون بين الدول الإفريقية إلى مستوى الشراكة الحقيقية للتنمية.
فمنذ فجر الاستقلال، تبذل بلادنا جهودا مستمرة من أجل تعزيز حضورها على الصعيد القاري، حيث عمدت على فتح عدد مهم من التمثيليات الدبلوماسية للمملكة والتي يبلغ عددها حاليا 19 سفارة بدول إفريقيا جنوب الصحراء تغطي 42 دولة.
كما أن اعتماد سياسة التضامن مع شعوب القارة الإفريقية جنوب الصحراء بالمساهمة في استتباب الأمن والاستقرار بهذه البلدان والدفع بالتنمية البشرية والحفاظ على سيادتها ووحدتها الوطنية والتصدي للمعضلات الاقتصادية التي تعانيها، تعتبر من الأولويات الجيو-سياسية لبلادنا.
لقد لعب المغرب دورا رائدا في تدبير النزاعات ودرء مخاطر الانفصال التي تواجه القارة،خاصة في منطقة الساحل، حيث كان من أول الدول التي أنذرت المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بخصوصها، كما أن انتماءه الجغرافي إلى الفضاء المغاربي والساحل الصحراوي والواجهة الأطلسية يجعل منه فاعلا مركزيا في استقرار المنطقة الغربية لإفريقيا.
كما قامت بلادنا في السابق بعدة مبادرات لتعزيز الأمن بالقارة الإفريقية ، حيث نستحضر وقوفها إلى جانب الوحدة الترابية لهذا البلد أمام التهديدات الإرهابية، حيث انخرط المغرب داخل مجلس الأمن ، ممثلا للدول الإفريقية ، في دعمها والدفاع عن أمنها و استقرارها السياسي، و ترجم هذا الالتزام بالمصادقة على القرار رقم 2085 تحت الرئاسة المغربية لمجلس الأمن.
كما اتخذت بلادنا مؤخرا عدة مبادرات واقعية وملموسة من أجل إفريقيا ، حيث ساهمت في عمليات حفظ السلام )بجمهورية الكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار (، وفي جهود الوساطة )في بلدان نهر مانو( وعمليات إعادة البناء بعد النزاعات) في السيراليون( و ذلك في حرص تام على التمسك بخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية و ترجمة أهدافها في ارتباط وثيق مع حفظ الأمن والاستقرار في ربوع القارة.
و لابد من التأكيد على أن زيارات صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، نصره الله ، )أكثر من 23 زيارة إلى 13 بلدا إفريقيا) قد قوت علاقات المغرب مع هذه الدول ، حيث توجت كل هذه الزيارات بتوقيع عدة اتفاقيات في ميادين التنمية الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والثقافية والإنسانية غطت مجالات عديدة مثل الفلاحة والتغذية والصيد البحري والتربية والتعليم وتدبير المياه والسقي والمنشات الأساسية والتجهيزات الحضرية والتدبير المالي والبنكي .
و حيث أن بلادنا تبحث عن خيارات ومداخل جديدة من أجل الحضور القوي في المنتظم الدولي لحماية المصالح الوطنية و البحث عن أسواق جديدة تواكب حركية النمو الذي يعرفه الاقتصاد المغربي، يعتبر دعم الانفتاح والفاعلية تجاه دول الجنوب و على رأسها الدول الإفريقية، من الخيارات الإستراتيجية لتعزيز التبادل التجاري و فتح إمكانيات جديدة لدعم نمو الاقتصاد الوطني.
و لتأكيد الحضور الفاعل للمغرب بالقارة، نشير إلى عدد الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع شركائه الأفارقة خلال العشر سنوات الماضية و التي تبلغ حوالي 500 اتفاقية مع أكثر من 40 دولة ، و هي تمثل أرضية ملائمة لتشجيع المبادلات التجارية و توفر الظروف الملائمة للاستثمارات المغربية بهذه الأقطار و تحميها وتحفز القطاع الخاص على المشاركة في مساعي تعزيز التبادل التجاري .
وفي هذا الإطار تم إنشاء صندوق خاص بتقوية حضور الفاعلين الاقتصاديين المغاربة بالبلدان الإفريقية )200 مليون درهم( ، إضافة إلى رفع السقف الخاص بالتحويلات المالية من اجل الاستثمار بالبلدان الإفريقية إلى 100 مليون درهم وذلك خلال شهر دجنبر 2010 .
ومن جهة أخرى ، يحرص المغرب على الرفع من مستوى التنمية البشرية بالقارة ، حيث عبأ إمكانيات ضخمة لتكوين الأطر الإفريقية كمحور أساسي في برنامجه للتعاون. و تتكلف، في هذا الإطار، الوكالة المغربية للتعاون الدولي بتتبع الانجازات في هذا المجال، كما تساهم في نقل التجربة المغربية للدول الصديقة ،حيث يعتبر التعاون في الميدان التكنولوجي من بين ركائز تعاون المغرب مع إفريقيا . إن الوكالة المغربية للتعاون الدولي التي تم إنشائها سنة 1986، تعد رافعة في مجال التعاون بين المغرب ومحيطه الإفريقي، جعلت من التكوين في الموارد البشرية قاطرة أساسية في التنمية و التعاون بين المملكة ودول الجنوب. و في ما يخص مجال التكوين الجامعي، يتابع 12.000 طالب إفريقي دراستهم بمختلف المعاهد والجامعات المغربية و 90 % منهم يستفيدون من منح الحكومة المغربية، كما مولت الوكالة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، دورات تكوينية لفائدة ما يزيد على 1300 إطار من هذه الأقطار في مختلف المجالات.كما تقوم الوكالة بتمويل عدة مشاريع ذات طابع اقتصادي واجتماعي في مجالات حيوية كالصحة والتعليم والتزود بالماء الصالح للشرب.
أما فيما يخص التعاون التقني الثنائي مع الدول الإفريقية ، فقد عملت بلادنا، على سبيل المثال، على نقل الخبرة والتجربة التي اكتسبتها في ميداني الأمطار الاصطناعية و مكافحة الجراد إلى دول بوركينا فاسو والسنغال و موريتانيا و غينيا بيساو و عبرت دول أخرى عن رغبتها في الاستفادة من هذه الخبرة المغربية كالكامرون و مالي و غامبيا و موريتانيا و الرأس الأخضر .
و تجدر الإشارة إلى أن المغرب قد تجاوز إطار التعاون الثنائي الصرف إلى التعاون الثلاثي كأداة مبتكرة لتحويل التجربة التقنية المغربية للدول الإفريقية بتمويل و مساعدة من الشركاء الدوليين كالوكالة اليابانية للتعاون الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية و غيرهما.كما يلتزم المغرب مع عدد من الدول و المنظمات ، مثل فرنسا وبلجيكا واليابان والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة و وكالات تنموية أخرى من أجل تنفيذ مشاريع كبرى في الدول الإفريقية .
و موازاة مع هذه الجهود على صعيد العمل الثنائي ، تسجل بلادنا حضورا متميزا على مستوى المنظمات الإفريقية، خاصة منها المجموعات الاقتصادية الجهوية مثل تجمع دول الساحل و الصحراء (سين صاد) و المجموعة الاقتصادية لغرب لإفريقيا . ولقد عملت بلادنا على مواصلة تأمين حضور وفود مغربية وازنة في كافة الشراكات بين إفريقيا والدول والقارات الأخرى. و يحتل المغرب الآن دورا رائدا داخل منظمة سين صاد و يقوم بجهود معتبرة لإعطاء نفس جديد للمبادرة التي أطلقها من أجل خلق تجمع يضم البلدان المطلة على الأطلسي.
و خلاصة القول، أن بلادنا في انسجام تام مع توجهات سياستها الخارجية اتجاه القارة الإفريقية المبنية على التضامن وتعزيز التعاون جنوب-جنوب، و دعما لدور المملكة كعضو غير دائم بمجلس الأمن ممثلا للقارة الإفريقية، و لكون القارة الإفريقية هي محط الاهتمام العالمي نظرا للمشاكل الأمنية المتعددة المطروحة خاصة في منطقة الساحل ، ومن أجل تعزيز حضور المملكة على الصعيد الجهوي والقاري، فان الوزارة تعتزم تقوية حضور الدبلوماسية المغربية بتدعيم العلاقات الثنائية مع الدول الإفريقية الصديقة و القيام بمجهود خاص نحو دول جنوب وشرق إفريقيا نظرا لكون دول هذه المنطقة مازالت تحتفظ بمواقف عدائية اتجاه قضيتنا الوطنية ، و تحضر فيها دولة جنوب إفريقيا كقوة اقتصادية و سياسية إقليمية مهيمنة، وذلك من قبيل الانفتاح على هذه الدول و فتح سفارات المملكة بها و دعم التواصل معها.
ولهذا الغرض تقوم الدبلوماسية المغربية بعدة مبادرات تضامنية لإنعاش وتطوير التعاون الثنائي مع تشجيع تبادل زيارات المسؤولين و جعل تجربتها في الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التقنية والعلمية رهن إشارة بعض دول المنطقة و فتح المجال للتعاون الثقافي و الديني معها.